تابع. الجزء الثاني
الفترة الفرنسية الاولى ( 1830 ـ 1920م ).
لقد كان الصدام المسلح بين الطريقة وبين الحكام الأتراك من جهة ثم بينها وبين الأمير عبد القادر بعد ذلك من جهة أخرى بسبب الفتنة التي كان يبثها الجاسوس ليون روش بين الجزائريين لهزيمتهم أمام زحف الاحتلال الفرنسي تأثير كبير على الطريقة حيث قلل من توسعها وحد من انتشارها بشكل واسع داخل الجزائر ويتجلى ذلك في قلة عدد زواياها و مريديها في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر حيث أورد الضابط الفرنسي Rinn في الإحصاء الرسمي سنة 1882 أن عدد زوايا التجانية في الجزائر بلغ 17 زاوية و 100 مقدم و 11082 مريدا.
وإذا كانت التجانية لم تنتشر في داخل الجزائر فقد توسعت خارجها وخاصة في السودان الغربي حيث استطاعت أن تؤدي دورا كبيرا في نشر الدعوة الإسلامية بين الوثنيين السود في إفريقيا.
وقد أشار رين في كتاب: المرابطون والإخوان. إلى ذلك بقوله: " ... وفي عام 1830 لاحظ حكام السنغال الفرنسيون في تقاريرهم الرسمية ازدياد انتشار الإسلام في إفريقيا الوسطى ".
حيث كانت التجانية بالمرصاد للمبشرين المسيحيين و التصدي لهم أحيانا بالمقاومة المسلحة فكان رد الفعل الفرنسي في الجزائر مضايقة مقدمي الطريقة التجانية في المنطقة ومداهمة بيوتهم ومصادرة ما لديهم من كتب مرجعية للطريقة مثل ما جرى مع المقدم ابن مزهود في منتصف ماي من عام 1880 ببلدة العاسول وماجرى أيضا للشيخ سيدي الطاهر بوطيبة وكيل الزاوية التجانية بتلمسان حيث تعرض لاضطهاد كبير من طرف سلطات الاحتلال كرد فعل لمواقفه الوطنية وأبعد إلى جريرة " سانت مرغريت " ومعه تجانيون آخرون منهم كاتبه وذلك لفترة 1863 – 1871م. ويقال أنه فقد بصره أثناء مدة نفيه. وكرد فعل على مساهمة سيدي أحمد عمار حفيد الشيخ الأكبر في مساندة ثورة أولاد سيدي الشيخ وعمره لم يتجاوز 17 عاما قام الاحتلال الفرنسي باعتقاله في 10 فيفري 1869 بمعية 18 رجلا نفتهم إلى بولوغين بالعاصمة الجزائرية ثم نقلتهم إلى مدينة بوردو بفرنسا . وبعد أن أطلق سراحه وضع تحت الإقامة الجبرية والرقابة بحيث لا يتنقل إلا برخصة من إدارة الاحتلال.
الفترة الفرنسية الثانية 1920– 1954م
إذا كانت الفترة الأولى للاحتلال الفرنسي اتسمت بالمقاومة المسلحة على مدى 90 سنة كان الفضل فيها يعود في الغالب للزوايا والطرق الصوفية
فإن الفترة الثانية للاحتلال الفرنسي اتسمت بالمقاومة السياسية و الثقافية والاجتماعية ضد المحتل الصليبي حيث تميزت هذه الفترة بوقوع حربين عالميتين مدمرتين بين القوى الإستعمارية الأوربية نتيجة التنافس الشديد على التوسع في المستعمرات وحماية مصالح الدول المتنافسة على احتلال بلدان إفريقيا و آسيا.
كما تميزت الفترة بظهور الأحزاب الوطنية والشيوعية و الجمعيات و النوادي والصحافة سيما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومدارسها الحرة العربية عبر الوطن. وظهور الصراع المصطنع بين العلماء وبعض الزوايا والطرق الصوفية الذي زرعته إدارة الإحتلال الفرنسي وغذته ضمن برنامج دعم الرذائل ومحاربة القيم والفضائل. واضطهاد الإسلام واللغة العربية والتاريخ الوطني قصد محو المقدسات وتكريس سياسة فرق تسد. وانسياق بعض الزوايا القليلة وراء الخدعة الاستعمارية في هذه الفترة. والتي سمحت لبعض الجزائريين بأن يزايدوا على بعضهم البعض في هذا الشأن بتوجيه التهم لبعض الزوايا والأفراد بالوقوع في شباك العدو. وقيام وسائل الإعلام آنذاك بالترويج للفتن و الصراعات المصطنعة التي كانت الإدارة الفرنسية من ورائها.
ويتجلى عدم نجاح إدارة الاحتلال في زرع سياسة التفرقة بين العلماء والطرق الصوفية أنه عندما أعلن عن تأسيس شركة )آمال للشمال الإفريقي( من طرف جمعية العلماء كان من المبادرين إلى المساهمة ماليا في رأسمالها من بين 100 شخص من الجزائريين بنصف مليون فرنك للواحد سنة 1942م كان الشيخ أحمد التجاني شيخ الطريقة التجانية بتماسين. ففنّد بذلك كل مزاعم الخلاف و الصراع المصطنع.
لقد تجلى بوضوح تمسك رجال التجانية بالقيم الوطنية وبعوامل وحدة الأمة ومصادر قوتها وسر انتصارها المتمثلة في الإسلام والعربية والتاريخ والوطن والوحدة الوطنية. ويكفيهم فخرا ما تركه أحد التجانيين البارزين أمير الشعراء وشاعر جمعية العلماء المسلمين محمد العيد آل خليفة من قصائد شعرية تقطر وطنية. وأورد هنا أبيات من الشعر من قصيدة قالها سنة 1949 يرحب بعودة الحجاج الجزائريين: